مقدّمة:
- يُعتبرُ يومُ الخامسِ والعشرونَ من آذار، عيدُ بشارةِ السيّدة مريم العذراء، المنقولُ هذه السنة إلى التاسعِ من الجاري، عيدًا رسميًّا جامعًا لكلّ اللبنانيّين، عيدًا يجمعُ مسيحيّي بلدِنا ومسلميهِ على المستوى الشعبيّ. ولعلَّ في تلاقي المسيحيّةِ والإسلام، ومكانةِ السيّدة مريم في آياتِ القرآنِ والإنجيل، ما يجعلُ من هذا الحدثِ مناسبةً مشترَكةً موحِّدة. يومُ البشارةِ أوّلُ الأعيادِ في المسيحيّةِ من حيث الترتيب، أو رأسُها كما تسمّيهِ الكنيسة، هو يومٌ خاصٌّ للمسلمينَ أيضًا، لِما للسيّدة مريم من مَقامٍ رفيعٍ لديهِم.
- في هذا اليوم، تعودُ العذراءُ إلى بلدِ العيشِ المشترَك، إلى لبنانَ الرسالة لتوحّدَ لبنانيّيهِ الذين ذاقوا لوعةَ البُعدِ من بعضهِم البعض، في حروبٍ داخليّةٍ وخارجيّة زادت مسافةَ الفرقةِ في ما بينهُم. مريمُ العذراء عنوانٌ يجمعُ المسلمينَ والمسيحيّين نظرًا إلى مكانتِها المميَّزة في المسيحيّةِ والإسلام؛ والنصوصُ التي تدلُّ على ذلكَ عديدة، معَ احترامِ الفرقِ ومعرفتِنا به، إلاّ أنَّ المساحاتِ المشتركة تبقى مهمّةً جدًّا.
- أصبحتِ العذراءُ إذًا صلةَ وصْلٍ بين أبناءِ وطنِنا الحبيب. وهنا لا بدَّ من الإشارةِ إلى أنَّ القرآنَ الكريم كرَّمَها، فكانتِ الوحيدةُ التي سُمّيَت على اسمِها سورةٌ قرآنيّة. فالعذراءُ مريم هي ملتقى الديانتَينِ المسيحيّة والإسلاميّة، هي جسرُ عبورٍ يسلكُهُ معتنِقوهُما في اتّجاهِ تلاقي القلوب، في بلدٍ تَميّزَ بالعيشِ المشترَكِ والتفاعلِ بين ديانتَين سماويّتَين كبيرتَين.
ترتيلة: يا أمّ الله أمّ الحياه
قراءة من القرآن الكريم (سورة آل عمران)
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ. ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ
إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ منْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ
قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ ذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ
من إنجيل ربّنا يسوع المسيح للقدّيس لوقا ١/٢٦-٣٨
القارئ: في الشَّهْرِ السَّادِس، أُرْسِلَ الملاكُ جِبْرَائِيلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِلى مَدِينَةٍ في الجَلِيلِ اسْمُهَا النَّاصِرَة، إِلى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاودَ اسْمُهُ يُوسُف، واسْمُ العَذْرَاءِ مَرْيَم. ولَمَّا دَخَلَ الملاكُ إِلَيْهَا قَال:
الملاك: "أَلسَّلامُ عَلَيْكِ، يَا مَمْلُوءَةً نِعْمَة، أَلرَّبُّ مَعَكِ!".
القارئ: فَاضْطَربَتْ مَرْيَمُ لِكَلامِهِ، وأَخَذَتْ تُفَكِّرُ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هذَا السَّلام! فقَالَ لَهَا الملاك:
الملاك: "لا تَخَافِي، يَا مَرْيَم، لأَنَّكِ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ الله. وهَا أَنْتِ تَحْمِلينَ، وتَلِدِينَ ابْنًا، وتُسَمِّينَهُ يَسُوع. وهُوَ يَكُونُ عَظِيمًا، وابْنَ العَليِّ يُدْعَى، ويُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ عَرْشَ دَاوُدَ أَبِيه، فَيَمْلِكُ عَلى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلى الأَبَد، ولا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَة!".
مريم: "كَيْفَ يَكُونُ هذَا، وأَنَا لا أَعْرِفُ رَجُلاً؟".
الملاك: "أَلرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وقُدْرَةُ العَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، ولِذلِكَ فالقُدُّوسُ المَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ الله! وهَا إِنَّ إِلِيصَابَاتَ نَسِيبَتَكِ، قَدْ حَمَلَتْ هيَ أَيْضًا بابْنٍ في شَيْخُوخَتِها. وهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الَّتي تُدْعَى عَاقِرًا، لأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى اللهِ أَمْرٌ مُسْتَحِيل!".
مريم: "هَا أَنا أَمَةُ الرَّبّ، فَلْيَكُنْ لِي بِحَسَبِ قَوْلِكَ!".
القارئ: وانْصَرَفَ مِنْ عِنْدِها المَلاك.
ترتيلة: حبّك يا مريم
صلاة:
- باسمِ اللهِ الرّحمَنِ الرَّحيم، المجدُ لكَ أيّها الربُّ، المحسنُ والشفوق،
المجدُ لكَ أيّها الملكُ الذي يُعتَمَدُ عليهِ في كلِّ شيء...
المجدُ لكَ أيّها القدّوسُ الذي ليسَ فيه وصمةُ عارٍ، أو ظلُّ نقصٍ ... كلُّ المجدِ والحمدِ لكَ أيّها القدّوس
- المجدُ لكَ يا من يملِكُ السلامَ، ويعطيهِ لمخلوقاتِهِ،
المجدُ لكَ يا مصدرَ إيمانِنا وأمنِنا،
المجدُ لكَ أيّها الثمينُ المختلفُ عن كلِّ ما هو موجود،
مجدًا لكَ أيّها الأقوى، فلا شيءَ يمكنُ أن يقاومَ قوّتَكَ،
المجدُ لكَ من كلِّ الأعمارِ وفي كلِّ زمانٍ ومكان، آمين.
- حمدًا لكَ يا من يُعطي من فضلِهِ للناسِ ليكونوا سعداء،
نحنُ نعشقُكَ ونريدُ أن نخدمَكَ يا إلهَنا...
حمدًا لكَ أنتَ الذي تسمحُ بالحزنِ والدّموعِ التي تساعدُ الرجالَ على الّلجوءِ إليكَ،
المجدُ لكَ أنتَ النّورُ الذي ينيرُ أرواحَ جميعِ الذينَ يطلبونَ منكَ نور،
المجدُ لكَ أنتَ الدليلُ الهادي الإنسانَ طريقَ الحقّ، آمين.
- المجدُ لكَ يا مَن تعطي المتواضعَ الذي آمنَ بكَ شرفًا وقوّة،
المجدُ لكَ يا من تُرى في الظلمةِ ولا يخفيكَ أيُّ شيء،
المجدُ لكَ يا قاضيًا يتصرّفُ بحكمةٍ من أجلِ الخيرِ الأكبرِ للجميع،
المجدُ لكَ يا عدالةً لا مثيلَ لها ولم تُخطئْ أبدًا،
الحمدُ لكَ في كلِّ العصورِ، إلى الأبد، آمين.
ترتيلة: يا ربّ إستعملني لسلامك